• mai 2024

    Message de l'Aumonier

    يؤمن المسيحيّون بالرّوح القدس على أنّه روح الله، وهو الأقنوم الثّالث في الثّالوث الأقدس الإله الواحد الذي لا ينفصل ولا يتجزّأ.

    الكتاب المقدّس يُعلّمنا ويؤكّد لنا وبكلّ وضوح أنّ الرّوح القدس هو شخص له صفاته الإلهيّة وهو مبدع ومجدّد الحياة. نقرأ في سِفر المزامير 104: 30. "تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ." ويؤكّد لنا الكتاب المقدّس أيضاً أنّ الرّوح القدس هو واحد في الألوهة مع الآب والابن، ودُعي قدّوساً ويقدّس حياة المؤمن. وهذا يعني أنّ الرّوح القدس يتمتّع بالصّفات الإلهيّة كافّةً، وهو يعمل في حياة المؤمنين بالمسيح وفي الكنيسة بشكل عام، كما يتبيّن لنا من الكتاب المقدّس الذي يُطلعنا على معلومات كثيرة تؤكّد لنا هويّة الرّوح القدس سواء عن صفاته أو أعماله أو أسمائه.

    الرّوح القدس مع الأسف، مجهول بالنسبة للعديد من مسيحيِّي اليوم" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس وشدّد على أنّ الرّوح القدس يجعلنا مسيحيِّين حقيقيِّين، وحثّ المؤمنين على أن يسمحوا للرّوح القدس بأن يعلّمهم درب الحريّة.

     إنّ الرّوح القدس الذي يُقيم فينا يدفعنا للخروج: فهل نخاف؟ كيف هي الشجاعة التي يعطينا إيّاها الرّوح القدس لنخرج من ذواتنا ونشهد ليسوع؟ وكيف هو صبرنا في التجارب؟ لأنّ الرّوح القدس يُعطينا الصبر أيضًا.

     فلنسأل ذواتنا، هل نؤمن حقـًا بالرّوح القدس أم أنّه مجرّد كلمة بالنسبة لنا؟ لنحاول أن نتكلّم معه ولنقل له: "أعرف أنك تقيم في قلبي وفي قلب الكنيسة وأنّك تحمل الكنيسة قدمًا وتصنع الوحدة بيننا في اختلافنا..." لنقل له هذه الأمور كلّها ولنطلب نعمة أن نتعلّم - بشكل عمليٍّ - ماذا يفعل الرّوح القدس في حياتنا.

    إنّها نعمة الطاعة للرّوح القدس. لنتأمّل في هذا الزمن المقدس بالرّوح القدس ولنتكلّم معه، طالبين منه ان يهبنا مواهبه السبع، التي أشار اليها اشعيا النبي عندما تنبأ عن السيد المسيح بقوله: "ويخرج جزع من جذر يسَى وينمي فرع من أُصوله، ويستقر عليه روح الرب روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح العلم وتقوى الرب، ويتنعَم بمخافة الرب" (أشعيا ١١: ١). وكل هذه المواهب السبع تمدَ النفس بنور خاص.

    ١الحكمة: تقود الإنسان الى معرفة الامور الإلهية والتعمق فيها.

    ٢الفهم: يقودنا الى تفهَم الكتب المقدسة، والتعمق في حقائق الإيمان، ويمدَ العقل البشري بنور روحي ليتمكن من فهم أسرار الدين المسيحي في جوهره.

    ٣المشورة: تجنَب الإنسان الطيش والتسرَع والإدعاء وأخطاره على الحياة الروحية، فالذي يتخذ قرارته دون إستلهام الله والعودة إليه، يقع في ضلال، فهو يعبد نفسه ويعظَمها، بدلاً من ان يعبد الله ويمجَده "لأن كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة هي من لدنك يا ابا الأنوار". والمسيح نفسه أعطانا مثلاً في ذلك، فلم يفعل شيئاً دون إستشارة أبيه السماوي، لذلك قال عن نفسه: "لا يستطيع الإبن أن يفعل شيئًا من عنده إلاَ إذا رأى ألآب قد صنعه" (يوحنا ٥: ١٩).

     ٤القوة: تمكَن الإنسان من العمل بحسب رغبة الله لمجابهة الشدائد واحتمال المحن والمصائب، فنشعر مهما صعبت الحياة وقست علينا أن الله معنا، "إذا كان الله معنا فممن نخاف؟". كما فعل الله مع موسى عندما طلب منه إخراج الشعب اليهودي من مصر، قال له: "إني أكون معك" (خروج ٣: ١٢).

    وهكذا نقوى على: "إطاعة الله لا الناس" (أعمال الرسل ٤: ١٩)، حتى ولو طُلب منا سفك الدماء، وقد أوتي جميع الشهداء هذه القوَة ففضلوا الموت على الكفر أو نكران الله ومسيحه وكنيسته.

    ٥العلم: يُرينا الاشياء على نور روحي سامٍ. إن الملحد يرى الطبيعة والناس والاشياء بنوره الطبيعي، أما المؤمن فيرى ذلك بالنور الذي يفيضه عليه الروح القدس. فيرى في الطبيعة والناس والجمال صورة الله البهية، فيجتنب ما من شأنه أن يوقعه في مهاوي الضلال، ويمشي إلى غايته الأخيرة معتمدًا لها الوسائل الناجعة التي توصله إليها.

    ٦التقوى: وهي أثمن هبات الروح، تشَد العزيمة، وتُقوَي النفوس، كما يقول القديس بولس الرسول: "إن الروح يأتي لنجدة ضعفنا" (رومة ٨: ١٦). والتقوى تُهيمن على علاقات الإنسان بالله وتوطَدها على أسس صحيحة وثابتة. فهي مزيج من عبادة وإحترام بنوي للآب السماوي.

    ٧الخوف: أخيرًا الخوف، والخوف لا ينفي التقوى، ولا نعني هنا بالخوف خوف القصاص، كخوف العبيد من أسيادهم، بل نعني الخوف من إهانة الله بالخطيئة. وهذا الخوف تحدّث عنه أشعيا النبي عندما قال عن السيد المسيح "انه يتنعم بمخافة الرب" (أشعيا ١١: ١)، وهو الخوف الذي يشعر به الملائكة في حضرة الله، وهذا الخوف مصدره المحبة والإحترام والعبادة، كما يقول المزمور: "خشية الرب طاهرة ثابتة إلى الأبد" (مزمور ١٨: ١٠)، وعن روح الخوف هذا تحدَث بولس الرسول قائلاً:

     "لم تتلقَوا روحاً يستعبدكم ويردكم إلى الخوف، بل روحًا يجعلكم أبناء وبه ننادي: يا أبتا" (رومة ٨: ١٤).

    لنسأل الله أن يفيض علينا روحه القدوس ومواهبه، لتثمر فينا تلك الثمار التي أشار إليها بولس الرسول بقوله: "أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام وطول الاناة واللطف ودماثة الأخلاق والأمانة والوداعة والعفاف" (غلاطية ٥: ٢٢)، فتتفجر في أعماقنا أنهار ماء الحياة التي قال عنها يسوع يوم عيد المظال: "من آمن بي فليشرب، كما ورد في الآية: ستجري من جوفه أنهار من الماء الحي، وأشار بذلك الى الروح الذي سيتلقاه المؤمنون به" (يوحنا ٧: ٣٧-٣٨).